يغفر لمن استغفره ، ويرحم من استرحمه ، و يصلح المعيب ...
نحمده تبارك وتعالى ونسأله التنظيم لأحوالنا و الترتيب ...
ونعوذ بنور وجهه الكريم من الفساد و الإفساد والتخريب ...
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المقرب والحبيب ...
خلقٌهُ نعمة ، ومبعثه رحمة ، وشمس سنته لا تغيب ...
فصلِ اللهم عليه و على آلـه و صحبه و كل من انتسب إليه من بعيد أو قريب ...
أمــاآ بعد إخوتـي و أعزاآئي أعضاء و زوار العاشق الكراآم و بالأخص قــراآء هذا الموضوع,, اليـوم سأقدم لكم موضوع قيم ورائع أتمنى من الله أن يُعجبـكمـ الموضوع
فإن القلب هو وعاء الإيمان، وقوام صلاح جسم الإنسان، فكلما كان منيعًا قويًا، كان صاحبه قويًا، وكلما هزل وضعف، صار صاحبه هزيلًا ضعيفًا.
فعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب» . وإنما يكون القلب صالحا إذا كان منورا بنور الله ـ جل وعلا ـ ، ومكسوًا بلباس التقوى والورع، فتظهر عليه حينئذ علامات الرقة والصلاح، فلا ترى صاحبه إلا رحيمًا رقيقًا، خاشعًا خاضعًا، سباقًا للخير والفضل، تواقًا لكل بر ومعروف، مشتاقًا للقاء الله سبحانه وتعالى. فالقلب ما هو إلا وعاء الأعمال، يحملها وينطبع بآثارها، فيكون صلاحه وفساده بحسب صلاح الأعمال وفسادها!! وبتقلب سلوك العبد وأخلاقه بتقلب ظواهر القلب وحالاته بين السلامة والمرض، والسعادة والشقاء، وبحسب موافقة الأعمال لشرع الله ـ جل وعلا ـ وكثرتها وقلتها وإخلاصها تكون رقته أو قسوته.
فما سُمِّي الإنسان إلا لأنسه *** ولا القلب إلا أنه يتقلب
فما هي ماهية القلب؟ وما هي صفاته؟ وما أسباب رقته؟ وما هي أسباب قسوته؟
وحقيقة القلب أنه كالجسد في التأثر سلبا وإيجابا، فهو يصح ويمرض ويجوع ويشبع، ويسعد ويشقى، ويُكسى ويعرى، وكل ذلك بحسب نوع المؤثرات التي تحيط به. فالقلب يمرض، ومرضه الكفر والشك، والريبة والشرك، والحقد والحسد، والغيبة والكذب، والعجب والكبر وغيرها مما يرتبط بهذه المعاني ، ويشترك معها في مطلق الشر. ودواؤه من هذه الأمراض يحصل بالتوبة منها ، وترويض القلب على اجتثاثها واشتغاله بما ينفعه.
قال إبراهيم الأحوص: دواء القلب خمسة أشياء: 1- قراءة القرآن بتدبر. 2- خلاء البطن. 3- قيام الليل. 4- التضرع عند السحر. 5- مجالسة الصالحين.
وسئل إبراهيم بن الحسن عن سلامة القلب فقال: العزلة والصمت، وترك استماع خوض الناس، ولا يعقد القلب على ذنب ولا على حقد، ويهب لمن ظلمه حقه. ويمرض القلب أيضا بحب الدنيا والإقبال عليها، فإذا مرض بهذا الداء استعصى على صاحبه الشفاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يزال قلب الكبير شابًا في اثنتين حب الدنيا وطول الأمل».
وعن إسحاق بن محمد قال: قالت: رابعة:"شغلوا قلوبهم بحب الدنيا عن الله عز وجل، ولو تركوها لجالت في الملكوت ثم رجعت إليهم بطرائف الفوائد"
وعن ابن سماك أنه سمع امرأة كانت تسكن البادية تقول: لو تطالعت قلوب المؤمنين بفكرها إلى ما ادخر لها في حجب الغيب من خير الأجر، لم يصفُ لهم في الدنيا عيش، ولم تقر لهم في الدنيا عين.
وعن الحسين الحامدي قال: سمعت حارث بن أسد يقول: بلية العبد تعطيل القلب من فكرة الآخرة، حينئذ تحدث الغفلة في القلب.
وقال أبو الخير التيناني: حرام على قلب مأسور بحب الدنيا أن يسيح في روح الغيب. وكما أن القلب يمرض بعد الصحة فإنه يجوع كما تجوع الأبدان، وجوعه ليس من نقص الطعام والشراب، وإنما بالغفلة عن ذكر الله ـ جل وعلا ـ والأنس بغيره، وإشغاله بما لا يذهب خلته وحاجته، بل يزيد منها ويؤجج نارها.
فإن الشواغل التي تحيط بالقلب تجعله أسيرا مدمنًا على الاشتغال بها، ويجد منها فراغًا وفاقة، وهي سبب جوعه ومرضه، ثم هو لا يقوى على الحيدة عن شواغله التي سكنت غلافه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن، ولا آخر اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها».
وإنما اشترط ذاك النبي عليه السلام هذه الشروط حتى لا يكون بين أفراد جيشه من شغل قلبه بغير الله، والجهاد في سبيل الله، والإقبال على الدار الآخرة، فإن الشواغل تكون سببا في طول الأمل وكراهية الموت، فهي مجبنة للنفس، مثبطة للعزيمة والصبر.
وعن ثابت قال: قيل لعيسى عليه السلام: "لو اتخذت حمارا تركبه لحاجتك؟ قال: أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئا يشغلني به!".
وعن الحارث بن نبهان قال: قدمت من مكة، فأهديت إلى مالك بن دينار ركوة ، فكانت عنده، فجئت يوما فجلست في مجلسه، فلما قضاه قال لي: يا حارث! تعال خذ تلك الركوة فقد شغلت علي قلبي! فقلت: يا أبا يحيى إنما اشتريتها لك تتوضأ فيها وتشرب. فقال يا حارث! إني إذا دخلت المسجد جاءني الشيطان فقال لي: يا مالك: إن الركوة قد سرقت، فقد شغلت عليَّ قلبي!
وقال أبو محمد المرتعش: سكون القلب إلى غير المولى تعجيل عقوبة من الله في الدنيا.
وقال يحيى بن معاذ: النسك هو العناية بالسرائر، وإخراج ما سوى الله ـ عز وجل ـ من القلب. وأما عري القلب فإنه يكون بذهاب التقوى قال تعالى: (( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ )) فإذا فقد عنصر التقوى من القلب كثرت عليه الأخلاط واشتد جوعه، وقوي مرضه ، وتمزق كساؤه وغطاءه، فلم يعد يقوي على مواجهة أدنى مصاعب الحياة وأضعفها ، فلا ترى صاحبه إلا مغمومًا مهمومًا، يشكو الفاقة وهو غني، ويشكو الأسقام وهو صحيح، ويشكو العمى وهو يبصر، ويشكو الضيق وهو يسكن القصور!
وما ذلك إلا بسبب الفساد الذي أصاب قلبه ، فأفسد عليه عقله وروحه ونفسه وبدنه، فلم ينفع لعلاجه ما يملك ولا ما يسكن، وليس له علاج إلا بانتزاع الداء وجلب الدواء، وما دواؤه إلا بالتقوى. (( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )) .
قال سهل بن عبد الله: ما من ساعة إلا والله ـ عز وجل ـ مطلع على قلوب العباد، فأي قلب رأى فيه غيره، سلط عليه إبليس.
وعن عبد الجبار بن بشران قال: سمعت سهلا يقول: من نظر إلى الله عز وجل قريباً منه، بعد عن قلبه كل شيء سوى الله عز وجل، ومن طلب مرضاته أرضاه الله عز وجل، ومن أسلم قلبه تولى الله عز وجل جوارحه.
وعن محمد بن سعيد التميمي العابد قال: رأيت فتى في بعض سواحل الشام، فقلت يا فتى منذ كم أنت ههنا؟ قال: لا أدري. قال: ولم؟ قال لأنه قبيح بمن يحب أن يحصي الأوقات على من يحبه!
ثم أنشدني: إذا فرقت بين المحبين سلوة *** فحبك لي حتى الممات قرين
سأصفيك ودي ما حييت فإن أمت *** بودك عظمي في التراب دفين
فاقتراف المحرمات والاشتغال بالدنيا والحرص عليها، والتفريط في الأوامر والواجبات والغفلة عن الله جل وعلا، كلها تحدث في القلب مزيجا من الأخلاط التي تذهب بنور القلب وصفائه، ووده ونقائه، وتجعله أسيرا للهوى والشيطان والشهوات والنفس الأمارة بالسوء، فحينئذ يخلو القلب من نور الله ، ويصبح مظلما مسودًا لا يبصر ولا يفقه شيئا.
قال ابن سمعون في مجلسه: "ما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ولا تمثال» . فإذا كان الملك لا يدخل بيتا فيه صورة أو تمثال، فكيف تدخل شواهد الحق قلبًا فيه أوصاف غيره من البشر؟!"
وأما كيف السبيل إلى رقة القلب وانكساره، فلا يكون ذلك إلا بتشخيص دائه وعلته، والعزم على قلعها من القلب واجتثاثها، وإحلال الدواء والعلاج مكانها.
قال رجل للحسن يا أبا سعيد! أشكو إليك قسوة قلبي. قال: أدنه من الذكر!
وقد روي أن رجلا سأل عائشة رضي الله عنها: ما دواء قسوة القلب؟ فأمرته بعيادة المريض وتشييع الجنائز، وتوقع الموت!
وشكا رجل إلى مالك بن دينار قسوة قلبه فقال: أدمن الصيام، فإن وجدت قسوة فأطل القيام، فإن وجدت قسوة فأقل الطعام.
وسئل بن المبارك: ما دواء قسوة القلب قال: قلة الملاقاة.
وقد ذكر الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ كلاما جميلا في بيان أسباب رقة القلب فقال: لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلب ذكر الله ـ عز وجل.
ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، فجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرأة البيضاء، فإذا ترك صدأ، فإذا ذكره جلاه. وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب. وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر.
فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته، كان الصدأ متراكبا على قلبه، وصدؤه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب: لم ينطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه. فإذا تراكم عليه الصدأ واسود، وركبه الران! فسد تصوره وإدراكه، فلا يقبل حقا، ولا ينكر باطلا، وهذا أعظم عقوبات القلب، وأصل ذلك من الغفلة، واتباع الهوى، فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره.
قال تعالى: (( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )) . إذًا، فرقة القلب سبيلها الطاعة ثم الذكر والاستغفار.
فأما الطاعات فلأن الطاعة نور يزداد القلب بها نورا وضياء. قال تعالى: (( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ )) .
وعن محمد بن حامد قال: قال أحمد بن خضرويه: القلوب أوعية، فإذا امتلأت من الحق أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح، وإذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمتها على الجوارح. وأما الاستغفار والذكر فإنه يصقل القلب ويذهب ظلمته وغفلته، ويجدد فيه الحياة.
فعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت».
وأهم الطاعات التي تحصل بها رقة القلب: 1- أداء الفرائض كما أمر الله جل وعلا. 2- اجتناب الكبائر والصغائر، لاسيما الكذب والغيبة والحسد والنميمة. 3-الاشتغال بذكر الله ـ جل وعلا ـ أو المداومة على أذكار الصباح والمساء، وملازمة الاستغفار على سائر الأحوال. 4-الرحمة بالضعفاء والمساكين والدنو من الفقير والمحتاج، وزيارة المريض، واتباع الجنائز، فإن هذه الأعمال تحيي في القلب الانكسار، وتجعله مراقبًا لنعمة الصحة متعلقا بالله ـ راغبًا في عفوه، ورحمته. 5-تدبر الآخرة، والتفكر في القيامة وأحوالها ومنازلها ومشاهدها، وما أعده الله للعصاة من عذاب ونكال وجحيم، وما أعده لعباده الصالحين من نعيم. 6-الخلوة بالنفس ومحاسبتها، وتجديد الإيمان فيها بالتفكر في آيات الله وآلائه. 7-البعد عن الخلطة السيئة، وإصلاح خواطر القلب الضارة فإنها باب الشر وأصله.
عن علي بن الحسين قال: قال أبو تراب: ليس من العبادات شيء أنفع من إصلاح خواطر القلب.
وأما أسباب قسوة القلوب فهي كل سبب يبعد عن الله جل وعلا ويوجب سخطه وغضبه ؛ لأن القلب إذا كان لله كان رقيقًا ، وإذا كان لغيره كان قاسيا غليظا ، لا ينفع فيه وعظ ، ولا تجدي فيه نصيحة إلا أن يشاء الله.
وإنما يقسو القلب إذا فسد، وفساده يكون لأسباب هي: 1- البعد عن طاعة الله والاشتغال بمعصيته، فهذا كما ذكرنا يظلم نور القلب، ويملأه بالران الذي يحول بينه وبين الحق ، ويكون سببا في فساده وغلظته. 2- التعلق بالدنيا والحرص عليها وطول الأمل.
قال سيار أبو الحكم: الفرح بالدنيا والحزن بالآخرة لا يجتمعان في قلب عبد، إذا سكن أحدهما القلب فر الآخر.
ننافس في الدنيا ونحن نعيبها *** وقد حذرتناها لعمري خطوبها
وما نحسب الأيام تنقص مدة *** على أنها فينا سريع دبيبها
كأني برهط يحملون جنازتي *** إلى حفرة يحثى علي كثيبها
وكم ثم من مسترجع متوجع *** ونائحة يعلو عليَّ نحيبها
وباكية تبكي علي وإنني *** لفي غفلة من صوتها ما أجيبها
أيا هادم اللذات ما منك مهرب *** تحاذر نفسي منك ما سيصيبها
وإني لمن يكره الموت والبلا *** ويعجبه روح الحياة وطيبها
رأيت المنايا قسمت بين أنفس *** ونفسي سيأتي بعدهن نصيبها
3- نسيان الآخرة وما فيها من نعيم: فإن نسيانها يفوت على المرء لذاذة التذكر، وتجدد العزيمة بالتفكر في نعيم الجنة وما أودع الله فيها لعباده الصالحين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
عن خالد بن معدان قال: ما من عبد إلا وله عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة، فإذا أراد الله بعبد خيرا، فتح عينيه اللتين في قلبه، فأبصر بهما ما وعد الله بالغيب، وإذا أراد الله به غير ذلك تركه على ما فيه، ثم قرأ: (( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )) [محمد: 24].
4- الاشتغال بما يفسد القلب: ومفسدات القلب خمسة وهي: أ- كثرة المخالطة التي ليس من ورائها إلا الضياع والعذاب، كمخالطة السفهاء والأشرار، ومخالطة الناس في الحرام كالغيبة والنميمة ... ومخالطتهم في المباحات، فإن هذا النوع من المخالطة من أعظم أسباب قسوة القلب، وعلى المسلم أن يتجنبها وينعزل بنفسه وجسده، فإن لم يستطع فبشعوره!
ولا تجلس إلى أهل الدنايا *** فإن خلائق السفهاء تعدي
ب- الأماني الباطلة: فإن أماني الشر مما يتعلق بطمع النفس في الدنيا أو المعاصي، هي رأس مال المفلس لأنها تمرض القلب وتضعف همته وتجعله في إقبال على الدنيا وإن لم يكسبها وفي إدبار عن الآخرة وهي أقرب إليه من شراك نعله.
ج- التعلق بغير الله: ويدخل فيه الشرك، كالاستغاثة بغير الله، والتوكل على غير الله والرجاء والرغبة والطمع في غير الله، فإن هذه الأعمال توجب فساد القلب وقسوته لأن صاحبها عديم الإيمان فاقد نوره وضيائه من قلبه.
د- الطعام: وليس الطعام لذاته مفسدًا ، وإنما يكون كذلك إذا أُكل على وجه الإسراف أو كان من مكسب حرام، سواء كان حقا لله: كالميتة والدم ولحم الخنزير، أو حق للعباد: كالمسروق والمغصوب والمنهوب.
فإن الإسراف في الأكل يثقل عن الطاعات، ويثبط النفس عن المسارعة إلى الخيرات وأكل الحرام يتلف العقل ويمسخ النفس ويمحق بركة الفكر والبدن.
ه- كثرة النوم: أو النوم في غير أوقاته الطبيعية، فإن كثرة النوم تقتل الحس وتبلد الذهن، وتذهب نشاط القلب والجسد، كما أن النوم في غير الأوقات الطبيعية، يذهب سكينة الروح ويخالف الفطرة التي خلق الله عليه الخلق.
وأعدل النوم: نصف الليل الأول وسدسه الأخير، ومقداره ثماني ساعات. قال ابن القيم رحمه الله: وهذه الخمسة تطفئ نور القلب، وتعور عين بصيرته ، وتثقل سمعه، إن لم تصمه وتبكمه، وتضعف قواه كلها، وتوهن صحته وتفتر عزيمته، وتوقف همته، وتنكسه إلى ورائه، ومن لا شعور له بهذا فميت القلب، وما لجرح بميت إيلام، فهي عائقة له عن نيل كماله. قاطعة له عن الوصول إلى ما خلق له، وجعل نعيمه وسعادته وابتهاجه ولذته في الوصول إليه.
ومما لا يخفى أن القلب إذا أصابته القسوة، انعكس ذلك على أخلاق صاحبه، فلا تراه إلا جافيًا غليظًا بعيدًا عن التعبد مشتغًلا بالسفاسف، لاهيًا ساهيًا، عليلًا مريضًا، لا يعرف طريق التوبة ولا سبيل الرجعة!
قال أبو العتاهية: لقيت أبا نواس في المسجد الجامع فعذلته وقلت له: أما آن لك أن ترعوي؟ أما آن لك أن تزدجر! فرفع رأسه إلي وهو يقول:
أتراني يا عتاهي *** تاركا تلك الملاهي
أتراني مفسدا بالنسـ *** ـك عند القوم جاهي
قال: فلما ألححت عليه في العذل أنشأ يقول:
لن ترجع الأنفس عن غيها *** ما لم يكن منها لها زاجر
نعم، لقد صدق أبو نواس في قوله: ولكنه لم يكن يدرك أن سبب نفور النفس من وعظها لها هو قسوة القلب الذي يذهب الفقه والبصيرة، ويحل محلها الهوان والعمى.
عن النواس بن سمعان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى الصراط داع يدعو يقول: يا أيها الناس! اسلكوا الصراط جميعا ولا تعوجوا. وداع يدعو على الصراط، فإذا أرد أحدكم فتح شيء من تلك الأبواب قال: ويلك! لا تفتحه فإنك إن تفتح تلجه. فالصراط: الإسلام، والستور: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله. والداعي من فوق: واعظ الله يذكر في قلب كل مسلم».
و في الختام
أسأل الله أن يغفر لنا ما سلف وكان, وأن يجعلنا ممن إذا ذُكر تذكر, وإذا أذنب استغفر.